ما يحصل اليوم من تولي الاسلاميين للسلطة ستكون نتيجته نفس مسار الدول الغربية و هو رد الفعل على الكهانة و المشائخ و المشعوذين و أنا لا أستغرب نصب المشانق لهم ، طبعا كم سيستغرق ذلك من وقت غير معروف ، لكن المؤكد أنه سيصير بعد انهيار تام لهذه الدول .
اذا قرأنا التاريخ الاسلامي فسنجد أن الاسلام كان يمثل السلطة و المعارضة في نفس الوقت ، أي أنه و بحكم الصراع المذهبي و حتى الفقهي نجد مثلا أن السنة يعارضون سلطة المعتزلة و الشافعية يعارضون سلطة الحنابلة و الشيعة يعارضون السنة و الأمثلة في التاريخ كثيرة جدا لذلك سنجد أن الصراع الدائر حول الدولة لم يخرج من دائرة الديني فاذا كنت معارضا للسلطة فأنت تتبع مذهبا و تيارا اسلاميا مخالفا.
أما اليوم و بحكم سيطرة الفكر و الثقافة الوهابية و اختفاء المذاهب و الفِرق ما حصل هو أن من يتولون السلطة اليوم يقدمون أنفسهم على أنهم يمثلون "الاسلام" و بالتالي خرجنا من مرحلة الدكتاتورية المذهبية ألتي كانت سائدة على مدى التاريخ الى دكتاتورية "دينية اسلامية" ، و هنا بدأت محاولات اخراج الدين أو انقاذه من رد الفعل العكسي مستقبلا عن طريق فصله عن السياسة و نجد أن غلب المفكرين التنويريين قد نادوا بذلك على اختلاف توجهاتهم فنجد ظهور مفاهيم دينية جديدة مثل "الاسلام القرآني" و "الاسلام الليبرالي" و مفكرين مجددين في الفهم الديني مثل فرج فودة و سيد قمني و غيرهم .
طبعا اليوم و مع انتشار المعلومات و التكنولوجيا لم تصبح الفكرة تحتاج الى سنوات للانتشار و هذا يساعد اليوم في نشر الفكر التنويري بسرعة كما يساعد الاسلاميين أيضا في محاولات الهيمنة و "أسلمة" الدول لكنها نتيجة خاسرة بالنهاية لأن الدين لا يمكن أن يبني دولة و لا سياسة و لا أن يبني صناعة و لا اقتصاد لذلك فسينتهي بهم الأمر الى خلق مجتمعات متخلفة تنعدم فيها الحريات و التطور و ينتشر فيها الحجاب و النقاب و اللباس الأفغاني و دعوات الجهاد و قتل الكفار .
طبعا يبقى الشيئ المضحك أن الغرب عاش هذا الصراع قبل 700 سنة تقريبا و منذ تلك الفترة حدثت مراحل مفصلية في بناء تقدمه منها (اسقاط السلطة الدينية - فصل الدين عن الدولة - نقد المفاهيم الدينية - ثورة علمية - ثورة صناعية - ثورة اقتصادية - ثورة تكنولوجية - غزو الفضاء ) و لازال العالم يتقدم كل يوم ، لذلك فلا الزمن و لا الانسانية ستنتظر العربان 700 سنة حتى يبدأوا نهضتهم ، و هنا أقتبس من الدكتور زكي نجيب محمود عندما يقول في كتابه تجديد الفكر العربي :
“اني لأقولها صريحة واضحة : ما أن نعيش عصرنا بفكره و مشكلاته ، و اما أن نوصد دونه الأبواب لنعيش تراثنا … نحن في ذلك أحرار ، لكننا لا نملك الحرية في أن نوحد بين الفكرين ( الشرقي و الغربي)” .