خرجت اليوم في تونس مسيرة مطالبة بتطبيق الشريعة و تضمينها في الدستور و رفع أصحابها شعارات من نوع “لا للديمقراطية” ، “نعم لتعدد الزوجات” …
طبعا لو سألنا أصحاب هذه الشعارات عما يقصدونه بالشريعة فلن تتجاوز اجاباتهم قطع الأيدي و رجم الزناة و الجلد و غيرها من الأحكام ، و ان كانت تلك اجاباتهم فهو لأنها الحقيقة فما يدعونه شريعة هو أصلا لا يتجاوز بعض الحدود و التي تم العمل بها في السابق لغياب منضومة قضائية واضحة فلا سجون و لا شرطة و لا بلديات و لا مؤسسات ، و الشعر العربي القديم مليئ بشعارات القصاص و الأخذ بالثأر و غيرها .
اذا فان هذه العقوبات أتت مطابقة للبيئة ألتي وجدت فيها و هي بيئة قبلية قانونها “العين بالعين و السن بالسن “ و الملاحظ أنه و فيما يخص الأمور الأخرى كالجواري و العبيد و تعدد الزوجات فانها ظلت على حالها فتعدد الزوجات هو أيضا من العادات المألوفة في المجتمع الجاهلي .
ترفع لنا حركة النهضة أو (حركة الكشطة ) لنا في هذه الأيام شعار “ الشريعة هي الخير كله” و يأتي أعضاؤها في المجلس التأسيسي ليحدثونا عن جمال الشريعة بطريقة هلامية من نوع “ الشريعة هي حقوق الانسان و الديمقراطية ، الشريعة هي أصل الحريات ، الشريعة هي العدالة الاجتماعية” و الغريب أن كل هذه القيم ألتي يتكلمون عنها لا تمت بصلة للشريعة و ليس الاسلام أصلها بل أن الاغريق و الرومان و الفراعنة و غيرهم من الحضارات تكلموا عنها و كتبوا مجلدات حولها و لفلاسفة هذه العصور أقوال مأثورة فيها .
أما الغريب فأن حركة الكشطة ترفع لنا هذا الشعار موهمة الناس أن تطبيق الشريعة الفوري سينجر عنه تطور فوري لمجتمعاتنا و سنغرق في جنات النعيم الدنيوية قبل أن ننتقل الى جنات نعيم الآخرة فهل هذا الكلام صحيح ؟
الملاحظ أن تطبيق هذه القوانين و ألتي يدعونها شريعة لم تمنع من أن يقتتل المسلمون و لم تمنع أن تقوم الفتنة الكبرى و لم تمنع من أن يقتل عثمان على يد غيره من الصحابة و يدفن في مقابر اليهود ، كما لم يمنع تطبيق الحدود من انتشار مظاهر مثل الزنا ( و لنا في حادثة الزنا في عهد عمر أكبر دليل ) أو شرب الخمر ( و لنا في بعض شعراء الخمر دليل و منهم أبو نواس ألذي لم يذكر أي مصدر أنه تم تطبيق الحد عليه ) كما لم يمنع وجود هذه القوانين في القرآن أن يقوم عمر بالغائها كما فعل مع حد السرقة و المؤلفة قلوبهم .
أما في ما يخص شعار الحكم بالشريعة ، فالمعروف أن من يريد الحكم في هذا العصر لابد أن يكون له برنامج متكامل في المجال الاجتماعي و السياسي و الاقتصادي و القضائي ، و السؤال هنا :
- ماذا تقول الشريعة في طريقة التداول على الحكم ؟ و المعروف أنها لا تذكر حول ذلك شيئا ،و اذا أستندنا الى طريق الخلفاء الأوائل فاما تعيين الخليفة لآخر كما فعل أبو بكر ، أو استشارة ستة من الصحابة كما فعل عمر ، أو موت الخليفة كما صار مع عثمان أو حد السيف كما فعل معاوية .
- ماذا تقول الشريعة في التعليم ؟ و هي ألتي لا تذكر الا قراءة القرآن ، و يؤكد عمر ذلك بأمره حرق مكتبة الاسكندرية قائلا “لا كتاب مع القرآن”.
- ماذا تقول الشريعة في الاقتصاد العالمي ؟ و هي ألتي لا تذكر الا الربى و أللذي كان معمولا به بسبب استعمال الذهب و البعير في ذلك اعصر للتجارة في حين أننا نتحدث اليوم عن بورصة و سندات حكومية و أوراق مالية تتأثر قيمتها من فترة لأخرى .
- ماذا تقول الشريعة في حقوق الانسان و هي ألتي أصبحت قوانين يقاس بها تطور الشعوب و تحضرها في حين أن الشريعة تتضمن تعدد الزوجات و الجواري و الغزوات و ملك اليمين و قطع الأيادي و الرجم و الردة وغيرها من الأحكام ألتي أصبحت مرادفا للمجتمعات المتخلفة ؟
- ثم ماذا تقول الشريعة في أمور مثل : البيئة و التصحر و البناء الفوضوي و غيرها من المسائل ألتي لم تكن موجودة في دول العربان قديما و أصبحت اليوم مسائل مهمة في حياتنا ؟ أم أننا سنجلب مجموعة من المشائخ ليفتحوا لنا كتب التاريخ الاسلامي الغابر و يفتوا لنا في ما يجب عمله و بالتالي نعود الى العصور القروسطية و “الحاكم بأمر الله” ؟ .
- ثم كيف سنطبق الشريعة على غير المسلمين في دولتنا ؟ أم أننا سنكتب دستورا للمسلمين و آخر لغير المسلمين ؟ أم نجبر غير المسلمين على تطبيق شريعة هم لا يعترفون بها أصلا ؟ و هذا تقسيم لوحدة الوطن و مخالفة صريحة لمبدأ المواطنة و تقسيم ديني للتونسيين ؟
ان الشريعة في الأصل تتمثل في مجموعة من الأحكام ألتي أتت في عصر معين و هو عصر ما قبل الدولة و كانت متناسقة مع عصرها فلم تتصادم به و لم تحاول أن تخالف العادات ألتي كانت موجودة في زمنها ، و لعل فيما فعل “عبد الملك ابن مروان” عندما بلغه و هو في المسجد أنه صار خليفة فما كان منه الا أن أغلق القرآن قائلا “هذا آخر عهدي بك” الا دليل على أن ممارسة الحكم مختلفة تماما عن الدين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق